يعرف الاقتصاد الرقمي بأنه ذلك الاقتصاد الذي يعتمد أساساً على تكنولوجيا المعلومات، التي تعني كل مرحلة من مراحل تصنيع المعلومة ابتداء من الثقافة والتدريب والتدريس، مروراً بصناعة أجزاء ومكونات الكمبيوتر المادية، انتهاء بصناعة برامج الكمبيوتر أو التي تعتمد على الكمبيوتر بشكل أو آخر.
وما يميز هذه الصناعات أنها تعتمد على العقول البشرية بشكل رئيسي، والتكلفة الحقيقية تكمن في البحث والتطوير، وليس في الأجهزة والمعدات كغيرها من الصناعات، أما بقية الأمور الأخرى فتعتبر مساندة أكثر من كونها فاعلة أو محركاً أساسياً.
ومما يساند عملية التنمية في الاقتصاد الرقمي وظهر متزامناً مع ظهورها «العملة الإلكترونية» أو «العملة الرقمية» التي تعزز من «اللامركزية» أهم ملمح إيجابي يمكن الانتباه إليه في هذا النوع من الاقتصاد.
وبالنظر في هذا العالم الرقمي الذي تمثل اللامركزية في التعاملات المالية أهم ملمح فيه، يمكن التنبه إلى تلك المظاهر الإيجابية لهذه اللامركزية، وحصرها لنجد منها، مثلاً، ما يمكن تسميته بـ«حرية التداول اللحظي» إذ يسمح الاقتصاد الرقمي بإرسال واستقبال أي مبلغ من العملات الإلكترونية لحظياً ومن أو إلى أي مكان في العالم، وفي أي وقت على مدار الساعة، من دون إجازات، ولا حدود ولا قيود لتخطيها، كما تسمح العملات الإلكترونية لمستخدميها بالتحكم في أموالهم بشكل كامل؛ كذلك فإن تدني تكلفة تنفيذ المعاملات التي تتم بالعملات الإلكترونية شأن من شؤون الاقتصاد الرقمي، حيث ليس لتلك التعاملات أي رسوم أو كما يحدث أحياناً قليلة برسوم قليلة جداً مقارنة بالتكلفة الكبيرة لتنفيذ المعاملات المالية عبر شبكات التحويل المالية والمصرفية الرسمية، وهذا يشكل ميزة مهمة تضاف إلى ميزات اللامركزية؛ وأيضاً يعتبر تدني مخاطر الاحتيال والسرقة في معاملات العملة الإلكترونية ميزة يوفرها الاقتصاد الرقمي فالعملة الرقمية مؤمنة تماماً، وتحمي المتعاملين من أي احتمالات للخسائر الناشئة عن الاحتيال أو المحاولات غير الأمينة لاسترجاع الأموال؛ وميزة أخرى نجدها في الأمان والتحكم الكامل في المعاملات حيث يمتلك مستخدمو العملة الإلكترونية تحكماً كاملاً في معاملاتهم، لذلك يستحيل أن يفرض عليهم أي رسوم غير معلن عنها مقارنة بوسائل الدفع التقليدية الأخرى، فمعاملات العملة الرقمية يمكن إبرامها من دون ربط المعلومات الشخصية للمتعاملين بالمعاملات، وهذا يوفر حماية فائقة ومانعة لسرقة الهويات، ومستخدمو العملة الرقمية يمكنهم أيضاً حماية أموالهم من خلال النسخ الاحتياطية والتشفير.
ويوفر الاقتصاد الرقمي ميزة الإفصاح والشفافية والحياد لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملة الرقمية، والتي تكون متاحة بسلسلة البلوكات لأي أحد لكي يستخدمها ويستوثق منها بشكل لحظي، مما يجعلها ذات شفافية وحيادية مطلقة لكافة العملاء، فلا يمكن أن يتحكم أو يتلاعب أحد ببروتوكول العملة الرقمية، لأنه مؤمن من خلال نظامي تعمية وتشفير كاملين، وهو ما يتيح قدراً كبيراً من الموثوقية في كون نظام العملة الرقمية محايداً وشفافاً، ويمكن تنبؤ المتعاملين بسائر مخرجاته بشكل مسبق وكامل.
وبالمقابل ثمة عيوب للامركزية التي يتمتع بها الاقتصاد الرقمي ولا ينبغي تجاهلها ويمكن رصدها من خلال التعاملات الواسعة بالعملات الرقمية فنجد من ذلك مثلاً تدني درجة القبول العام، حيث لا تتمتع العملات الرقمية بقبول عام كبير، لأن العديد من الأشخاص غير ملمين بآليات التعامل بها، ولكن يزداد التعامل بها بمرور الوقت من خلال الاستمرار في نشر الوعي الاقتصادي الرقمي وثقافته؛ وثمة عيب آخر لكنه ضعيف جداً في استناداته، ونجده في قابلية التلاشي، إذ إن قيمة المعاملات التي تتم بالعملة الرقمية ما زالت ضئيلة جداً مقارنة بقيمة المعاملات التي تتم بالنقود الحقيقية، مما يهدد وجود العملة الرقمية التي ما زالت ناشئة، ولكن الاحتمالات الكبيرة لتلاشيها مستبعدة نتيجة التطور التكنولوجي السريع في كل من الاتصالات والمعلومات؛ ويبدو من العيوب كذلك الاستخدام غير القانوني للعملات الرقمية حيث يمكن استخدام معاملاتها بأمان تام في تمويل كافة الأنشطة المشبوهة وغير المشروعة، كالتهرب الضريبي وغسل الأموال والجريمة المنظمة عبر الحدود، وبشكل يحد من قدرة السلطات على تعقبها نظراّ لأنها تحجب هوية المتعاملين بها حجباً تاماً؛ كما ينطبق الأمر ذاته على الطبيعة السرية للعملات الرقمية فهي مصممة لكي تسمح لمستخدميها بإرسال واستقبال الأموال بدرجة كبيرة من الخصوصية، ورغم إمكانية التحقق من المعاملات إلا أنها تمنع التحقق من هوية أطرافها بفضل وجود تقنيات متعددة لحماية خصوصية المستخدمين، وتقنيات أخرى ما زالت قيد التطوير؛ كذلك فإن الطبيعة غير القانونية للعملات الرقمية تعد من العيوب وبرغم أنه لم يتم تجريمها قانوناً من قبل المشرع في معظم دول العالم ولكن بعض الدول كالأرجنتين وروسيا تقوم بتقييد أو حظر المعاملات الأجنبية باستخدام العملة الرقمية، وبعض الدول الأخرى كتايلاند تفرض قيوداً على معاملات العملة الرقمية. وللحديث بقية.