تحدث كثير من المفكرين والفلاسفة منذ وقت طويل عن أهمية العلم وقوة المعرفة في التحولات التي شهدتها البشرية في مراحل انتقالها الحاسمة.
وكتب «فرنسيس بيكون» قبل ما يقرب أربعة قرون أن «المعرفة قوة». ومن عصر إلى عصر كانت هذه القوة على تحول دائم وفقاً لما يقتضيه التطور الحضاري للمجتمعات الإنسانية.
ومثلما كانت القوة العسكرية هي المهيمنة في عصر الزراعة كانت القوة الاقتصادية هي الحاسمة في عصر الصناعة ولا يختلف الأمر الآن فقوة المعرفة الآن مع تطبيقات التكنولوجيا ومظاهر الحداثة هي المهيمنة في عصر المعرفة ومجتمع المعلومات.
وكما نرى فهناك تعاظم واضح لدور صناعة المعلومات بوصفها الركيزة الأساسية في بناء الاقتصادات الحديثة، وتتعزز فيه مكانة الأنشطة المعرفية لتتبوأ أكثر الأماكن حساسية وتأثيراً في منظومة الإنتاج الاجتماعي.
ولعل في رأس هذه الأولويات، إجراء زيادات حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز إنتاج ونشر المعرفة، وخصوصاً في مجالات التعليم بمراحله المختلفة والبحث العلمي بمراكزه وميزانياته فضلاً عن استراتيجيات بناء القدرات البشرية، بما في ذلك إعداد الخبراء والباحثين وتشجيع الابتكار وبراءات الاختراع وحماية المتفوقين.
وقد كان لا بد من وضع أسس لبناء أنظمة معرفية منهجها الإبداع والموهبة والأفكار الخلاقة والابتكار، وهذه الأسس قد تم التمهيد لها من خلال نظرية بناء المعرفة التي وضعها وطورها كل من كارل بريتر ومارلين سكاردماليا لوصف ما يلزم على مجتمع المتعلمين إنجازه لخلق المعرفة، وتتناول النظرية ضرورة تعليم الأشخاص من أجل إعدادهم لمجتمع عصر المعرفة الذي تتغلغل فيه المعرفة والإبداع.
بناء المعرفة إلى عملية إنشاء منتجات معرفية جديدة تأتي ثمرة الأهداف العامة والمناقشات الجماعية وتجميع الأفكار، والتي من شأنها تحسين الفهم القائم للأفراد داخل الجماعة لما هو أبعد من مستوى المعرفة الأولي لديهم بالإضافة إلى العمل على توجيهها نحو زيادة الإلمام بالمعلومات المعروفة عن موضوع أو فكرة ما.
لذا نجد النظرية «تجمع بين طياتها التعلم الأساسي والمهارات الفرعية والديناميكيات الاجتماعية المعرفية التي تعد بغية الأساليب الأخرى إلى جانب الميزة الإضافية للتحرك على الطريق نحو التعليم الكامل».
قد يُعرف بناء المعرفة بأنه «خلق المنتجات المفاهيمية واختيارها وتحسينها، ولا تقتصر فقط على التعليم بل تشمل أيضًا أعمال المعرفة الإبداعية بشتى أنواعها».
وفي مقالها حول المسؤولية المعرفية الجماعية لتقدم المعرفة الصادر عام 2002، اقترحت سكاردماليا 12 مبدأ لبناء المعرفة.
تلك المبادئ والأسس لبناء أنظمة معرفية تسلط الضوء على الأفكار الحقيقية والمشكلات الواقعية في الفصل الدراسي – باعتباره مجتمعًا لبناء المعرفة – فيهتم المتعلمون بالفهم المبني على مشكلاتهم الواقعية التي تواجههم في العالم الحقيقي. وهناك مبدأ آخر هو الأفكار القابلة للتحسين حيث تعتبر أفكار الطلاب أفكارًا قابلة للتحسين. ثم تبرز أهمية تنوع الأفكار.
ومن خلال التحسين المستمر للأفكار وفهمها ينتج الترقي حيث يخلق المتعلمون مفاهيم ذات مستوى عالٍ وبالعملية المعرفية يجد الطلاب سبيلهم نحو التقدم. ثم المسؤولية الجماعية لمجتمع المعرفة وتعني المشاركة في تحسين المعرفة الجماعية وهو الغرض الأساسي من التعلم لبناء المعرفة. أيضا إضفاء الطابع الديموقراطي على المعرفة .
حيث جميع الأفراد مدعوون إلى المساهمة في تقدم المعرفة. وبلا شك فإن تقدم المعرفة المتجانس يتحقق من خلال جعل الأفراد والمنظمات تعمل بنشاط لتحقيق تقدم متبادل لمستوى المعرفة لديهم وهذا يأتي في صميم الأسس والأهداف في مجتمعات بناء المعرفة. ويجب فهم أن بناء المعرفة متغلغل حيث يسهم المتعلمون في بناء المعرفة الجماعي.
كما أن الاستخدامات البنائية للمصادر الموثوقة بها أي أن يكون البحث أسلوبًا طبيعيًا يقوم بتدعيم الفهم. ومن الأسس نجد أن الحديث وتبادل المعرفة يوصل إلى بناء المعرفة ويحسن من تقدمها. وأخيراً نجد أن التقويم المتزامن القادر على إحداث التحول يعتمد على تحديد مستوى الفهم ثم تحديد كيفية التقويم ثم الإبداع والمشاركة في عمليات التقييم بشتى السبل.
وبهذه الأسس ومن خلالها يتم التحول تلقائياً إلى مرحلة الإبداع والابتكار والتي تنتهي باقتصاد معرفي هائل على كافة الأصعدة والمستويات.
وتعتبر سياسة الابتكار أداة حكومية تستهدف زيادة وتيرة الابتكار في أي اقتصاد، وحل مشكلات اجتماعية واقتصادية متنوعة مثل: انخفاض مستويات الإنتاجية، أو الموضوعات الاقتصادية المتعلقة بالطاقة، والبيئة، أو بالصحة.
وكان لابد من مؤشرات لقياس الإبداع والابتكار ولذلك فقد تبنت دولة الإمارات أدواتها الخاصة لقياس الابتكار، مثل مؤشر أبوظبي للابتكار الذي يرمي إلى قياس تقدمها في هذا المجال، وتحقيق رؤيتها الاقتصادية 2030 التي تحفز الابتكار نحو الاقتصاد المستدام القائم على المعرفة. وللحديث بقية..