كما نرى، فإنه مع مرور الوقت، انتقلت الوظائف من المزارع إلى المصانع، ومن ثم أنظمة الحوسبة، مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين.
في تقرير لبعض الخبراء في مجال الأتمتة، يؤكد أن ثمة مخاوف قد أثارها تزايد الأتمتة الصناعية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وذلك من أن تستحوذ الآلات على الوظائف، ورغم ذلك، مستقبل قطاع العمل، بحسب الخبراء أنفسهم، يعتمد بشكل كبير على تطوير المهارات الاجتماعية، والثقة والتعاطف بين العمال.
إن الاختراق المتزايد للتكنولوجيا، خلف الكثير من الضوضاء حول تعلم المهارات التقنية، لتجهيز أنفسنا في بيئة العمل المتغيرة باستمرار. وكما يبدو، فإن أهم حاجة ملحة في هذا الوقت، هي الاستثمار في تطوير مهاراتنا الاجتماعية، لأن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل محل «العامل البشري».
لقد أظهرت الدراسات، أن التدريب على المهارات الناعمة، يمكن أن يزيد الإنتاجية. ومن تلك المهارات، الإبداع والعمل الجماعي والتفاوض والاتصال، التي ستكون أكثر أهمية بكثير في المستقبل، خصوصاً عندما تكون الآلات قادرة على القيام بالعمل الذي نقضيه ساعات اليوم.
إن إحدى أهم المشاكل التي يمكن أن نواجهها، في هذه المرحلة تحديداً من مراحل التحول التي تشهدها الإنسانية اليوم، هي التعليم، الذي رغم هذه التحولات، إلا أنه لم يتغير على مدى العشرين سنة الماضية، وعلى عكس الشهادات الأكاديمية، لا توجد أوراق اعتماد رسمية لتقييم المهارات الشخصية، على الرغم من نمو قطاع الخدمات، وزيادة الاحتياجات للقوى العاملة، للتفوق في مجال الاتصالات والمفاوضات والعمل الجماعي. زد على ذلك، أن نظامنا التعليمي، في الواقع، يخرج عن الطريق لقتل إبداعنا -واحدة من أهم المهارات اللينة المطلوبة في العمل.
إن التعليم المستمر، والتعرّف إلى الثقافات المختلفة، وتطوير شبكة متنوعة من الأقران والمحافظة عليها، والاستجابة بشكل استباقي للملاحظات، سيسمح للفرد بصقل مهاراته الإنسانية الفريدة، التي لا يمكن لأي آلة أن تتطابق معها.
بغض النظر عن كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي أو عدم تأثيره في مكان العمل، فإن إظهار الذكاء العاطفي والتعاطف والإبداع والفضول الفكري، والقدرة على التكيف، سيخدمك بشكل جيد لبناء حياة مهنية طويلة ومزدهرة.
هناك توقعات كثيرة للخبراء حول العالم، حول تأثير الأتمتة على الوظائف، وأنه بحلول عام 2030، هناك أكثر من 70 مليون وظيفة قد تتأثر بالأتمتة، لكن، ورغم ذلك، في المقابل، تشير تقارير كثيرة حيوية، إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يخلق وظائف أكثر مما يزيله. ولعل ما يمكن تأكيده، أننا في فترة تحول لم يسبق لها مثيل، وما يجب على كل فرد تجاه هذه الإحصاءات، أن يقف مع نفسه ويتأمل مدى ملاءمة مهاراته وقدراته على المدى الطويل مع هذا التحول.
إن تطور الذكاء الاصطناعي المستمر، لا يعني إطلاقاً أن نستعد لمستقبل من البطالة، فالمفترض أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة، فمكان العمل لا يزال يقدّر كثيراً اللمسة الإنسانية. لدينا كلنا الفرصة لمواصلة صقل مهاراتنا البشرية الفريدة، التي لن تظهرها الآلات.
تطرح منظمة العفو الدولية، ثلاثة مجالات يجب تطويرها، لتبقى ذات صلة مع العالم، ومع أسواق العمل، وأولها الذكاء العاطفي، فعندما نتحدث عن المهارات البشرية الفريدة، فإن الحاصل العاطفي، والذي يشار إليه أيضاً بالذكاء العاطفي، هو الذروة.
يعرّف هوارد جاردنر، صاحب نظرية هارفارد المؤثر، الذكاء العاطفي، بأنه مستوى قدرتك على فهم الآخرين، وما الذي يحفزهم، وكيفية العمل معهم بشكل تعاوني. يريد الأشخاص في النهاية، التفاعل -فهم لا يريدون اتباع آلة، بالمعنى الحرفي أو المجازي. عبر الشركات والصناعات، نحتاج إلى أشخاص يتمتعون بدرجة عالية من الكفاءة، على جميع المستويات، داخل المؤسسات.
ثم المجال الثاني المهم، وهو حل المشكلات الإبداعي، ويعني إعادة تعريف المشكلات والفرص، الخروج بمناهج جديدة، واتخاذ الإجراءات هي الخصائص الرئيسة لحل المشكلات الإبداعي. على عكس اتجاهات التكنولوجيا التي تأتي وتذهب، تكون مهارات حل المشكلات ذات صلة دائماً.
وقال برنامج Adobe، الذي شمل 2000 مشارك من اختصاصيي التوعية وصانعي السياسات التعليمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا واليابان، و86 في المئة ممن شملهم الاستطلاع، إنهم يعتقدون أن الطلاب الذين يتفوقون في حل المشكلات الإبداعي، سيتاح لهم فرص لوظائف ذات دخل أعلى في المستقبل.
توقع خمسة وسبعون في المئة، أن المهن التي تتطلب حل المشكلات الإبداعي، تقل احتمالية تأثرها بالأتمتة. أبعد من حل المشاكل، فالإبداع في حد ذاته، هو سمة بشرية مميزة أخرى، ستستمر في الاستفادة منها على المدى القصير والطويل.
ثالثاً، الفضول في التعلم والمرونة، ويمكن القول إنه مع وتيرة التغيير في مكان العمل، فإن الموظفين الذين يواصلون تحدي أنفسهم لتعلم مهارات وتقنيات جديدة -أولئك الذين يستمرون في دفع طليعة خبرتهم- يتمتعون بميزة تنافسية. هؤلاء الأفراد منفتحون على الخروج من مناطق الراحة، ومحاولة دخول مناطق جديدة تماماً.
لطالما كان الفضول والمرونة مهمين، ولكن في عصر الذكاء الاصطناعي، أصبحا أكثر أهمية بشكل كبير. عندما تجرِّب الشركات فوائد الذكاء الاصطناعي، يجب أن يكون الموظفون في سعي دائم نحو تحقيق مستوى أعلى من القيمة.
أخيراً، يمكن التأكيد على أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي، ستغير طبيعة العديد من الوظائف -وتخلق العديد من الفرص الجديدة. في حين أن بعض أفضل الوظائف في المستقبل، لم تعد موجودة، لذلك، فإن الحاجة إلى المهارات البشرية الفريدة، ستظل مهمة لنمو الوظائف واستقرارها لسنوات قادمة. وللحديث بقية..