كما قلت سابقاً إن فرضية «العالم عبارة عن قرية صغيرة» التي أسهمت توجهات العولمة في صياغتها، كان من البعيد استيعابها كلياً، لولا أن معرض إكسبو 2020 دبي الذي يبدأ من 1 أكتوبر وينتهي في مارس 2022م قد انتبه إلى تحقيق تلك الفرضية بحذافيرها، لكن ذلك ليس بسبب طريقة التنظيم والتحضير والمشاركة التي تشمل معظم دول العالم، فهذا الأمر مألوف، وهي طبيعة أصيلة لهذا المعرض منذ نشأته، لكن السبب هو في المواضيع المطروحة من خلال المعرض والأفكار التي يندمج العالم فيها كلياً ويسهم من خلالها ويدلي بدلوه، وبوضوح أكثر فإن إكسبو 2020 دبي ينتبه في سياقاته الثلاثة «التنقل، الاستدامة، الفرص» إلى سياق كوني هو حديث الساعة. ولأننا سنتحدث في مقالنا هذا عن الاستدامة فسوف نعرف من خلال حيثيات هذا المصطلح أنه موضوع الساعة، وهو ليس شأناً قومياً أو أممياً فقط، بل هو شأن كوني.
وبالحديث عن الاستدامة Sustainability سنجد أن الأمم المتحدة في السنوات الماضية قد حددت سبعة عشر هدفاً لها، وتشير إلى أن تحقيقها يتطلب منهجية متكاملة تأخذ في اعتبارها الظروف البيئية، بالإضافة إلى التطور الاقتصادي.
في عام 1987م، عرفت لجنة بريندتلاند التابعة للأمم المتحدة، الاستدامة على أنها «تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصة». ويوجد اليوم في عالمنا حوالي 140 دولة نامية تبحث عن سبل لتلبية حاجاتها التنموية، ولكن يستصحب ذلك تهديد متزايد للتغير المناخي، لذا يجب بذل جهود مقدرة لضمان أن التنمية اليوم لا تؤثر سلباً على الأجيال المستقبلية. ومن هنا نكتشف ذلك الوعي الذي تأسست عليه الفكرة في إكسبو 2020 دبي حين جعلته أحد سياقاته الثلاثة وعلى رأس الأولويات التي يمكن أن يناقشها العالم بأسره في الوقت الراهن.
ومن جهة تهدف التنمية المستدامة إلى تشكيل إطار عمل لتحسين حياة الشعوب حول العالم، ومن جهة أخرى تهدف إلى تخفيف المخاطر التي صنعها الإنسان، والتي تؤثر على التغير المناخي، ومن جهة ثالثة تهدف التنمية المستدامة إلى العمل المناخي، وهو ما يدعو إلى تكامل الإجراءات لتجنب التغير المناخي داخل الأطر التنموية، وتهدف أيضاً إلى الحياة تحت البحر، والذي نجد تجسيداً له في إكسبو 2020 دبي في مساحة بيت الهامور، حيث يمكن للزائر أن يستكشف الشعاب المرجانية التي تتخذ منها أسماك الهامور بيتاً من خلال رؤى غير متوقعة لفنانين وطلبة مدارس وصيادين، وكذلك الحياة في البر، ما يجعلها دعوة إلى المزيد من ممارسات التنمية المستدامة، وذلك باستخدام الموارد الطبيعية للأرض.
ويرينا إكسبو دبي ذلك بالمساحة التي تسمح للزائر بأن يتجول في محيط من الطاقة الشمسية و«أشجار» تعمل على تكثيف الماء، إلى جانب تدفق الماء من خلال قناة «الفلج» التقليدية المستخدمة في الري. وفي جناح التشيك يمكن رؤية مشروع الاستدامة من خلال مشاهدة الزائر لكيفية صنع تربة خصبة باستخراج بخار الماء من الهواء باستخدام الطاقة الشمسية، وتوفير المياه في الصحراء. كما يمكن للزائر اكتشاف نظام بيئي متكامل يستخرج الماء والطاقة والغذاء من خلال ابتكارات بينها المزرعة الرأسية، يتجسد ذلك من خلال جناح هولندا.
إن الاستدامة أكثر من مجرد مصطلح يفرض نفسه في الوقت الراهن استجابة للتداعيات التي تعصف بهذا الكوكب، وهي أكثر من مجرد مفهوم بيئي يصف كيف تبقى الأنظمة الحيوية متنوعة ومنتجة مع مرور الوقت، إنها تعني بالنسبة للبشرية القدرة على حفظ نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان على المدى الطويل، وهذا بدوره يعتمد على حفظ العالم الطبيعي والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية.
يؤكد إكسبو 2020 دبي من خلال النماذج التاريخية التي قدمتها الحضارات البشرية في تاريخ تجربتها الإنسانية، والتي يؤثث بها للمستقبل على أن الدورات الكيميائية الحيوية الخفية التي تعيد توزيع الماء والأكسجين والنيتروجين والكربون في النظم الحية وغير الحية في العالم، تستطيع تأمين حياة دائمة للبشرية لملايين السنين. وللحديث بقية.