عبر تاريخ معرض إكسبو العالمي الذي ينعقد كل خمسة أعوام في مكان ما في هذا العالم طيلة ما يقارب قرن من الزمان أو أقل قليلاً، لعلها المرة الأولى أن يعقد بهذا الحضور الكبير من الوعي، ولا أقصد وعي التنسيق والإعداد والتحضير وحداثة الاستضافة فقط بل وعي الأفكار التي يقوم عليها المعرض، والتي تستدعي الماضي وتعبر عن احتياجات الحاضر وتذهب إلى المستقبل بتعبير تنموي مستدام.
ذلك الوعي الحاضر يمكن رؤيته بوضوح في شمولية استيعاب مختلف الشعوب والحضارات بثقافاتها بما يحقق ويخدم التنمية المستدامة من خلال القطاعات الثلاثة التي يتبناها إكسبو 2020 دبي وهي التنقل والاستدامة والفرص.
ولأننا نريد أن نتحدث هنا عن قطاع الفرص التي ترتبط بثلاثة مكونات رئيسية لاستمرارية الحياة على هذا الكوكب من دون استنزاف لموارده أو الإخلال بنظامه البيئي والمناخي وهي الماء والغذاء والطاقة.. وبما أن هذه الثلاثة ترتبط بأهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة، فسنجد من خلال الأفكار المتاحة في إكسبو 2020 دبي في قطاع الفرص، وخصوصاً في منطقة الأمم المتحدة التي تشارك أيضاً في سياق أهدافها الخاصة بالتنمية المستدامة، فتقدم رؤى وبرامج تثقيفية جديدة غايتها إلهام الزائرين من مختلف دول العالم بما يحقق ويعزز من إمكانية تحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية لضمان استدامة بقاء الإنسان على كوكب الأرض من دون أي عوائق أو نقص في الماء والغذاء والطاقة ولأبعد مدى ممكن من الزمن.
ومن جهة أخرى، يستضيف عالم الفرص برنامج إكسبو 2020 دبي لأفضل الممارسات العالمية، الذي يستعرض مبادرات بسيطة لكن فعّالة، ترتبط بأهداف التنمية المستدامة ويمكن تكييفها أو محاكاتها أو توسيع نطاقها لتحقيق تأثير عالمي معزز.
ويقود الزوار عبر مسارات الماء والغذاء والطاقة في عالم الفرص ثلاثةُ أدلاء نُفّذت مشروعاتهم المبتكرة بأقل قدر من الموارد، لكنها أحدثت مع ذلك تأثيراً غير واقعي بمجتمعاتهم.
يعمل أبيل كروز من بيرو على حل مشكلة نقص المياه عبر صنع شباك الضباب، التي تحصد الضباب وتحوله إلى ماء.
وتعمل مريم الجنيبي من الإمارات في الزراعة العضوية المستدامة وتروج لها ولممارسات الأكل الصحية، وتشجع الأفراد على زراعة خضرواتهم.
أما فاطمة جمعة حاجي، وهي مدربة رئيسية تعلم النساء تركيب الألواح الشمسية، فتساعد في توليد طاقة مستدامة في زنجبار، حيث يحصل أقل من 4% من السكان على الكهرباء.
إنها تعبر عما اعتقده دائماً الكثير من العلماء من حيث إن سوء استخدام الأرض والمصادر الطبيعية الأخرى أسفرت عن الانهيار الاقتصادي والسياسي للحضارات الأولى.
ولعل ما يمكن قوله في ختام هذا المقال إن الحضارة الإنسانية لم تزدهر إلا بقدرة الإنسان على الابتكار وسعيه المستمر والدؤوب في تلقي العلم واكتساب المعرفة، وإن شعوب الحضارات الإنسانية لم ترتقي إلا عندما استوعبت أن الفرصة هي الكلمة المرادفة للمشكلة، وإذا ما فهمنا أن الإنسان الذي يعيش على هذا الكوكب يواجه/ أو سيواجه مشكلة تتعلق بالماء والغذاء والطاقة، فإن تلك المشكلة هي فرصته لتغيير مسار رحلة الحياة والاتجاه نحو الابتكار الذي سيمنحه وسائل أفضل للحياة أكثر أماناً وأكثر اقتصاداً وأجدى في فوائدها المستدامة. وللحديث بقية.