من يتأمل جيداً ما يحصل الآن في العالم، وهو يواجه أزمة «كورونا»، سيدرك جيداً أن ما يحدث الآن ليس سوى سيناريو مستقبلي لأزمة الأتمتة، وما ستتسبب فيه من تعطيل للأيادي العاملة عندما يتم تطبيق نظام الأتمتة كلياً في العالم أجمع، وليست سوى مسألة وقت، ليعيش الناس أزمة حجر صحي من نوع آخر يتسبب به أشخاص ذوو رؤوس أموال كبيرة!
إذاً ومن ذلك نقول: إن فيروس «كورونا» ليس سيئاً إلى ذلك الحد الذي يجعلنا نقول إنه أجبرنا عن قصد على البقاء في منازلنا، فهو لا يعقل ولا يعرف وليس له وعي، ومقارنة بما قد تتسبب به الأتمتة من أزمة مستقبلاً سنجد أن الإنسان أكثر سوءاً من «كورونا» وخاصة بما هو مقدم على فعله بأخيه الإنسان عندما يجعله عاطلاً بلا عمل عن قصد ووعي أيضاً.
إن ما كان سيحصل بفعل الأتمتة مستقبلاً يحدث اليوم بفعل فيروس «كورونا» ولعل الأسباب هي ذاتها بين هذا وذاك!
كيف؟!
من خلال معطيات ما قبل أزمة «كورونا»، وهي معطيات النظام المعرفي سنجد أن ثمة فجوة كانت تتسع يوماً بعد آخر بين الناس وهمومهم وبين مراكز اتخاذ القرار، وهذه الفجوة تمثلت بين ما يسمى المراكز البحثية «مراكز الابتكار»، وبين المؤسسات التي لها تواصل مباشر مع الناس، الأولى شبه مستقلة في إنتاجها، والثانية كانت مجبرة على التعاطي مع تلك النتاج دون التفات إلى الناس واحتياجاتهم، حتى يمكن القول إن الجانب الأخلاقي والإنساني كان غائباً في تلك المراكز البحثية والابتكارية.
ولو كان هناك استيعاب للناس في المشاريع البحثية والابتكارية داخل تلك المراكز لكان هناك استيعاب كامل وحلول جذرية الآن تخفف من وطأة الأزمة التي يواجهها العالم بفعل فيروس «كورونا»، فالأمر سيان بين هذا وذاك، لأن استيعابهم في أوقات الرخاء والسعة هو استيعاب لهم في أوقات الشدة والعسر.
تفرض الأزمة الحالية قراءة المستقبل بتأن وتفهم وتبصر، كما تفرض إعادة إنتاج للمشاريع البحثية والابتكارية السابقة مع ضرورة استيعاب للشعوب والمجتمعات فيها وبشكل كامل، ودون أي إقصاء، تماماً مثلما تفرض الأزمة الحالية استيعاب الجميع في الحلول دون تمييز بين أحد وغيره، لأن المسؤولية جماعية في مواجهة الأزمة الحاصلة، والنتائج كونها خيراً أو شراً تخص الجميع أيضاً؛ ويمكن التقريب بين الحالتين بتشبيه بسيط بين من يستثمر في العلم والمعرفة وجعلها مجانية ومتاحة للتناول في أيدي الجميع، وبين من يستثمر في العلم والمعرفة، بحيث يجعل التعليم برسوم باهظة ومحتكراً من قبله، فالأول يفهم ما يقوم به على أنه اقتصاد معرفي، والثاني يفهم ما يقوم به على أنه اقتصاد المعرفة!
وبين هذا وذاك بون شاسع جداً هو ذاته الحاصل في الوعي القائم بين الناس ودرجات إدراكهم وفهمهم.
أخيراً نقول إن المعرفة الإنسانية تراكمية تألفت على مر سنوات طويلة وتبلورت حتى وصلت إلى الحال الذي نجده اليوم، ولذلك وإن كان ثمة حل لتجاوز الأزمة الراهنة فهو فهم أسباب تداعيها، وفهم ما بعدها وإدراك أخطائنا السابقة، وكل ذلك سينتج معرفة جديدة لها صلة بماضيها، لكنها تنسب في حداثتها وجدتها إلينا، تحمل هويتنا الخاصة، ولذلك يجب أن تكون هوية مميزة وبصمة فاعلة ومؤثرة في سبيل الإنسانية وخيرها…. وللحديث بقية.