تفترض الشمولية التي تهدف إليها غايات التنمية المستدامة الانتقال من الجزئيات والخصوصيات إلى الكليات والتفكير وفقاً لما تفرضه سياقاتها تماماً كما تفرض وحدة الجسد الواحد على الطبيب النظر الكلي لما قد يسببه أي مرض على باقي الجسد من مضاعفات وبالمثل النظر في الأعراض الجانبية لأي علاج يخص جزءاً من الجسد وتداعياتها على باقي الجسد ومراعاة حساسية بعض الأجزاء جراء تعاطي ذلك العلاج.
وحين نتأمل لما تفرضه الشموليات في غايات التنمية المستدامة حين نعتبر هذا الكوكب امتداداً لحالة واحدة هي ذاتها حالة الجسد الواحد في سياق البحث عن الموارد البديلة التي كانت تمثل جزئيات وخصوصية تتعلق بذوات محددة سنجد أن هذه الموارد البديلة سيفرض الجهل بخصوصياتها ما فرضته الموارد السابقة تماماً من تداعيات رغم أن التفكير الآن شمولي ولذلك فالنتائج هي فرض سياقات بحثية جديدة في إطار الحلول والمعالجات وهي ذاتها ما سيعبر عنها عصر ما بعد الذكاء الاصطناعي.
ستفرض السياقات الجديدة في عصر الثورة الخامسة تفهماً أكثر لطبيعة موارد هذا الكوكب وبالضرورة فإنه سيكون قائماً على طريقة الحساب والفيزياء البحتة وليس جزافاً وارتجالاً كما هو حاله الآن.
من ذلك مثلا الانطلاق من تفاصيل الاحتياج البشري في الاستهلاك وفي الافراز فيكون التعاطي مع الموارد اقتصادياً في طبيعته حيث لا تستخدم موارد الطاقة إلا في حالة الاحتياج فقط وكذلك فإن التوقف عنها سيفرضه الاكتفاء.
عدا ذلك فإن النظرة الشمولية للجسد الواحد والكون امتداد له تقوم على نظرية ثابتة هي الموت والولادة والتجدد والفناء ولعل هذه الصيرورة الأزلية المحكوم بتفاصيلها هذا الكون تفرض وجود عدد من الموارد في كل عوالم هذا الكوكب وتفاصيله والتفكير العلمي يفرض حساباً دقيقاً لأصول كل مورد هي ذاتها الأصول الأولى لمكونات هذا الكون وحين نتفهم هذا فإن النتيجة الطبيعية لهذا الفهم ستفرض سياقات خاصة في الممارسة المستهلكة للطاقة التي تنتجها هذه الموارد حيث تقتضي الطريقة العلمية استخدام فائض كل أصل في الموارد تنتجه بالضرورة مبادئ السبب والنتيجة التي هي امتداد طبيعي لقوانين تكوين الوجود الثابتة من حيث التجدد والولادة وفرضيات تبعاتها التي تخلق فوائض في الموارد وكذلك الموت والفناء وما يأتي كنتيجة لها من اختفاء ونهايات لجزئية في تفاصيل بعض الموارد.
وغير ذلك فإن الطريقة العلمية التي ستكون مختلفة عن سياقات العصر الرابع في تفهم احتياجات الكوكب الطبيعية واحتياجات الكائنات التي تعيش عليه النظر إلى حالة كل موجود بالطريقة ذاتها التي تفرض على الإنسان التفكير في نفسه وحاله سواء كان هذا الموجود نباتاً أو حيواناً أو حتى جماداً وهذا التفهم الخاص القائم على العلم أولاً وعلى المصلحة العامة وعلى الاحترام أيضاً سينتج بدوره نظريات جديدة وتغييرات جذرية في العلوم البحتة بكل أنواعها لتشمل كل تلك السياقات وتراعيها في الممارسة العلمية لتحقيق نتائج أفضل في عمليات البحث تعم فوائدها الكون بأكمله وهي ذات الطريقة التي فرضت على الإنسان الانتقال من الجزئي إلى الكلي في سياق التنمية المستدامة وما تفرضه من تفكير في شؤون موارد الطاقة البديلة والاستهلاك والإنتاج الدائمة.
أي أن الممارسة العلمية والبحثية بهذا التفكير الكلي ستجعل النتائج التراكمية في حالة أفضل في تأثيرها على هذا الكوكب وازدهاره على أبعد مدى ممكن.
إن التفكير الكلي والشمولي يفترض في سياقاته، سواء كان ذلك من محددات أهداف التنمية المستدامة التي نجدها لدى المؤسسات العالمية المهتمة أو لم يكن ضمن صياغة لوائحها، يفترض تفكيراً قائماً على المنهجية أولاً والتنظيم تماماً مثلما تشكل الدولة مجلساً وزارياً له رئاسة مهمتها إدارة شؤون كل وزارة وتحديد مخصصات لها وموارد ولوائح وميزانيات وما إلى ذلك لكن لكل وزارة خصوصية تفرضها طبيعة شرائحها التي تقوم فرضية وجود الوزارة من أجل خدمتها ورعاية مصالحها.
ولعل أي مظهر فساد في أي وزارة لن يكون مؤثراً فقط عليها بل سيمس سمعة الحكومة ورئاستها وهذا ما يحدث تماماً في سياقات التفكير الكلي الذي يفرض مراعاة كل ممالك الوجود واعتبارها كياناً خاصاً ينتمي إلى كيان كبير ولا ينفصل عنه في الحسابات الجيدة والسيئة بالضرورة فإن ظهرت على أي مملكة من ممالك الوجود أي مظاهر خطر فإن تبعات هذه المخاطر ستكون نتائجها شمولية أيضاً ولا تمس هذا العالم ومكوناته فقط من عوالم الوجود.
فالبحار لها كائناتها والبرية لها كائناتها وعالم النور له كائنات وعالم الظلام له كائنات وهناك عالم النبات وعالم الحيوان وعالم ما تحت الأرض ومملكة الإنسان.
وهذه الهندسة الرياضية والعلمية إن تحققت بالفعل بعبقرية تتجلى فيها القدرة البشرية الحقيقية على إعادة الصياغة والهندسة لعالمه الذي يعيش فيه وفقاً لما تفرضه خصوصيات كل موجود عليه ستجعل هذا الكون بمثابة الجنة التي لا يمكن لأي موجود عليها أن يفكر في التنازل عن حقه في الطموح بالبقاء عليها إلى أبعد مدى ممكن من الزمن. وللحديث بقية.