ما من نظام يزدهر إلا ويتساوق مع ازدهاره انهيار نظام أو أنظمة أخرى بالضرورة، ولا ازدهار لأي سلعة إلا ويتساوق معه بالضرورة انهيار سلعة أو سلع أخرى..
كانت بدايات العملات الرقمية بدايات مخصصة، تشبه بدايات الحاسوب الذي اقتصر استخدامه على المهندسين المتخصصين فقط حتى ظهور الـ «Interface» ليصبح في متناول الجميع، فالعملات الرقمية اقتصرت في بداياتها على عمليات التعدين، وكان «البلوكتشين» يستخدم استخداماً حصرياً أيضاً لتسجيل حسابات عمليات التعدين فقط.
وظل الأمر كذلك حتى عام 2008 الذي مثّل بدايات الانطلاقة الشمولية المهمة للعملات الرقمية، وتعميم استخداماتها، ويمكن القول إنه كان بداية الاعتراف بها أيضاً.
وظلت خطوات ازدهار وتطور العملات الرقمية تسير بطريقة اعتيادية تشبه الخطوات الاعتيادية لأي منتج، وهكذا حتى جائحة «كورونا»، وبقدر ما تسببت فيه هذه الجائحة من كساد للاقتصاد التقليدي ولأعمال الناس، بقدر ما ازدهرت العملات الرقمية بل والاقتصاد الرقمي ككل، ولعل أكبر ما يمكن الاستدلال به هو الذروة التي بلغها البيتكوين مقابل الدولار مؤخراً، حيث وصل في الأيام الأخيرة إلى سعر 30 ألف دولار للبيتكوين الواحد.
هنا يمكن التساؤل: إذا استمر صعود قيمة العملات الرقمية أكثر مما هي عليه الآن، فما هو مصير الاقتصاد التقليدي وعملاته المالية؟
يجب أن نتفق أن ثمة كفتين في الميزان الاقتصادي العالمي في الوقت الراهن يمكن رؤيتهما بوضوح من خلال أخبار الاقتصاد ومعطياته المتجددة كل يوم، إحداهما كفة الاقتصاد التقليدي، والأخرى كفة الاقتصاد الرقمي، وكلما زاد انهيار الاقتصاد التقليدي، زادت كفته خفةً، وزاد بالمقابل ازدهار العملات الرقمية وزادت كفتها ثقلاً، ما يعني أن الاقتصاد الرقمي يتناهى أكثر عمقاً ويتناهى أكثر تغلغلاً في كافة المظاهر، ودواليك حتى يختفي الاقتصاد التقليدي وكل مظاهره، ويحل مكانه الاقتصاد الرقمي بجميع مظاهره، تلك المظاهر التي عرفناها كأدوات ووسائل للنظام المعرفي.
ويمكننا استشراف المستقبل من خلال المعطيات الحالية فيما يخص العملات الرقمية، حيث ستمثل البيتكوين العملة الصعبة التي تقابل الدولار في الاقتصاد التقليدي، وما يلي البيتكوين من عملات رقمية ستكون عملات صعبة أيضاً، ولكن بتراتبية مع البيتكوين تفرضها عمليات التسويق وأعمال الدعاية والإعلان التي يحظى بها البيتكوين دوناً عن بقية العملات الرقمية، في حين سيصبح لكل دولة في العالم عملتها الرقمية الخاصة بها وهو ما شرعت فعلياً فيه الكثير من الدول، لكن قيمة هذه العملات الرقمية الخاصة لا يمكن أن تصمد تجاه العملات الرقمية العالمية الصعبة التي ستصبح مقياساً في التعاملات الاقتصادية العالمية ومعياراً يتم التداول الاقتصادي به ومن خلاله، تماماً كما كان يحدث دائماً مع الدولار، وبقدر قوة الاقتصاد لأي دولة بقدر ما تكون عملتها الرقمية الخاصة تساوي قيمة كبيرة أمام البيتكوين، و يمكن قياس قوة اقتصادها من خلال هذا المعيار. وللحديث بقية.