أشار مركز أبوظبي لاستشراف المستقبل، في وثيقة استشرافية له، إلى أكثر من 20 وظيفة رئيسية انتشاراً حتى عام 2040، ومن بين 157 وظيفة، هناك وظيفة أخصائيي أتمتة المنازل وربطها بشبكات إنترنت الأشياء، كواحدة من أهم تلك الوظائف التي ستكون متاحة لـ«جيل ألفا»، وهم مواليد عام 2010 وما يلحقه.
والحديث عن طبيعة وتفاصيل هذه الوظيفة، يفرض الحديث عن البيوت الذكية بالضرورة، لارتباطها الوثيق بهذه المهنة من جهة، وعلاقتها بتقنية إنترنت الأشياء، التي من المهم أيضاً التطرق إلى بعض ما تعنيه.
وإذا كانت «أتمتة المنازل» تعني ربط مختلف الأجهزة والأنظمة في المنزل معاً من خلال شبكة إنترنت الأشياء، بحيث يمكن التحكم فيها جميعاً من أي مكان، وإحداث التفاعل المطلوب فيما بينها، فإن البيت الذكي هو الذي يحتوي على أجهزة تحكّم متطورة، وهي شاشات لمسية مثبتة بالحائط أو متحركة كـ«الآي باد» و«الآي فون»، بالإضافة إلى أزرار تحكّم قابلة للبرمجة، والتي باستطاعتها التحكُّم ومراقبة جميع الأجهزة الكهربائية والإلكترونية «الأشياء»، مثل الإضاءة والستائر الكهربائية والتكييف والتلفزيون والنظام الصوتي والكاميرات والأبواب الكهربائية ونظام السرقة والحريق وإنارة المسبح والنوافير، لمزيد من الراحة والأمان.
وتنقسم الشركات في مجال «أتمتة المنازل» وتجهيز البيوت الذكية بشبكات إنترنت الأشياء (IOT) إلى ثلاث فئات: شركات مُصنعة للأجهزة، شركات مُوزعة للأجهزة، وشركات بائعة للنظام، ويطلق عليهم (المقاولون)، وهي تحتوي عادة على عدة أقسام أهمها، قسم التصميم، قسم التركيب والبرمجة، وقسم الصيانة.
وبما أن الأنظمة تنقسم إلى فئتين: الفئة الأولى «نظام قائم بذاته»، والفئة الثانية «نظام يتكامل مع غيره»، فإن نظام البيوت الذكية هو من الفئة الثانية القابل للتوسعة، ويضطلع به أخصائيو «أتمتة المنازل» التابعون عادة لشركات «المقاولين»، وله مهام عديدة منها التحكم في أمور مثل الإضاءة والتدفئة والتهوية، وتكييف الهواء والأمن والأمان، والموسيقى، وتوفير الطاقة، والتحكم عن بعد بواسطة الرسائل القصيرة، ورعاية المسنين، ورعاية الحيوانات الأليفة، ورعاية مزروعات حديقة المنزل، وغير ذلك من المهام.
وهناك أجهزة يعتمد عليها نظام البيوت الذكية، وبرمجتها إحدى مهام أخصائيي «أتمتة المنازل»، منها المفاتيح الذكية التي تحل محل المفاتيح الكهربائية التقليدية والحساسات الذكية وغيرها. فعلى سبيل المثال، عندما تصل إلى منزلك، يقوم نظام الأتمتة تلقائياً بإغلاق مرشات المياه في الفناء، وفتح باب المرآب، وفتح قفل الباب الأمامي، وتعطيل الإنذار، وإضاءة الدرج، وتشغيل التلفزيون. كما يمكن ربط نظام المنزل الذكي بالإنترنت (IP based) والتليفون، بحيث يمكن التحكُّم ومراقبة المنزل من أي مكان في العالم.
ويمكن تصنيف ثلاثة أجيال مختلفة من البيوت الذكية: الجيل الأول، الأنظمة التي استخدمت بروتوكول الاتصالات اللاسلكية، مثل زيغبي (Zigbee)، وهي أنظمة شاعت في مطلع القرن العشرين مع ظهور الكهرباء، الجيل الثاني، أنظمة ذكاء اصطناعي تتحكم في الأجهزة الكهربائية من تلقاء نفسها، مثل صدى الأمازون، وهي أنظمة ازدهرت في منتصف القرن العشرين، والجيل الثالث، الروبوت الصديق الذي يتفاعل مع البشر، على سبيل المثال الروبوت روفيو (Robot Rovio)، ورومبا (Roomba)، وهو جيل الحاضر الذي نعيشه.
وإذا كان ثمة مهمة تقوم بها الحكومات تجاه ظاهرة «أتمتة المنازل» والسعي إلى تعزيزها في سبيل تعميقها وصولاً إلى مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة، فهي التوسع في تعزيز البنية الأساسية والفوقية للإنترنت، خاصة في ما يتعلق بمورد بروتوكول الإنترنت في الدول. ينبغي مثلاً على إدارات الإنترنت في الدول تسريع الانتقال إلى بروتوكول الإنترنت (IPv6) الذي يضاعف عدد عناوين الإنترنت التي يمكن إسنادها إلى الأشياء، إذ إن البروتوكول (IPv4) يوفّر عدداً محدوداً من العناوين التي لا تكفي الأشياء الممكن ربطها على الإنترنت.
إننا نعيش بالفعل في فعالية البيوت الذكية، لكن بغية ازدهارها، فإن من الضروري إيلاء إدارات الإنترنت في الدول، وكذلك جمعيات الإنترنت، الاهتمام اللازم لإنترنت الأشياء، والسعي من أجل الارتقاء بخدمة «أتمتة المنازل»، وعقد اجتماعات للخبراء والأخصائيين وورشات عمل، وحوارات وطنية، لتحديد سرعة واتجاه التحرك نحو تقنية البيوت الذكية، وتحقيق أهداف توسعها وانتشارها. وللحديث بقية.