تنصرف حالياً الجهود في كل المجالات عربياً نحو عصر المعرفة، ولكن بقليل من التوجس والرهبة. ومن خلال المعطيات يمكن قياس ماذا يمكن أن تسفر عنه هذه الجهود كما يمكن استشراف ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية وشكل اقتصاد المعرفة الذي يحل بديلاً للأنظمة الاقتصادية التقليدية السابقة.
وبدءاً لا بد من فهم المسارات التي يمكن الحديث عنها في هذا السياق واعتبارها مجالات حيوية يمكن القياس على معطياتها الحالية ومنها الرقمنة وحقوق الابتكار والملكيات الفكرية ومجال التعليم ومجال العملة النقدية الرقمية ومشاريع البنوك في الاستثمار وفي الابتكار.
في سياق الرقمنة يرسم تقرير جديد عنوانه منطقة المشرق 2.0 خارطة طريق للمنطقة لتغتنم هذه الفرصة الآخذة في التطور السريع، وتجري تقييماً لآفاق قيام سوق إقليمية متكاملة رقمياً.
وتُعد المنطقة العربية محوراً لأسرع أسواق نقل البيانات نمواً في العالم. وستزداد حركة نقل البيانات داخل المنطقة زيادة حادة بمعدل نمو سنوي مُركَّب قدره 42% بين عامي 2016 و2021. وفي ظل الروابط الجغرافية والثقافية المتشابكة تاريخياً، ينمو تبادل البيانات بين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا بمعدل يزيد على 50% سنوياً.
وتتجلَّى إمكانات المنطقة العربية في الاقتصاد الرقمي أيضاً، وفقاً للتقرير، في الشركات الناشئة الكثيرة التي احتُضِنت في المنطقة العربية. ومن الحالات المُميَّزة في هذا المجال مكتوب (Maktoub) وسوق دوت كوم (Souk.com) اللتين وُلِدتا في العاصمة الأردنية عمَّان. وتشير هذه المنصات الرقمية إلى تطور سلوكيات المستهلكين وتبنيهم الاستهلاك الرقمي. ومثال آخر على هذا هو ماجنيت (Magnitt) وهي شركة عراقية ناشئة مقرها الآن في دبي وتعد سوقاً للمستثمرين يربط بين 5500 شركة ناشئة ومستثمرين من شتَّى أرجاء المنطقة.
وفي سياقات أخرى نجد ثمة ازدهار كبير في مجالات الحقوق الابتكارية والملكيات الفكرية، حيث يتبنى عدد من دول المنطقة استراتيجية واسعة تتحرك في اتجاهات عدة ومهمتها تعزيز نمو اقتصاد المعرفة لديها بشكل يجعلها تنافس عالمياً، ومستقبلاً ستكون الكثير من الدول العربية رائدة عالمياً في مجال التشريعات الحامية لحقوق الملكية بشكل يدعو للطمأنينة والتفاؤل إلى حد كبير.
وفي السياقات الأخرى تقود حركة تطور التعليم في المنطقة العربية إلى أن ثمة تطور سيحدث في مجالات العلم والتعليم لكنه مرهون بقوانين الاستثمار التعليمية التي تؤتي ثمارها على المدى البعيد نسبياً لكن أدوات التعليم المستخدمة منذ الآن وهي أدوات تكنولوجية تقول إن هناك قابلية للتكيف مع مخرجات التكنولوجيا الحديثة في سلك التعليم ما يعني أن تطور العملية التعليمية عالي الوتيرة خلال السنوات القليلة المقبلة للتكيف مع معطيات عصر المعرفة ومخرجاته.
وفي جانب العملة المالية الرقمية تتجه دول كثيرة لتكون لها خصوصيتها في هذا السياق، حيث تنصرف إلى وضع استراتيجية وخطط واضحة حول ما سيكون عليه شكل عملتها من خلال وضع تصورات تكنولوجية خاصة بها وبعضها حدد موعداً لبدء انطلاقة تداول العملة الرقمية وبداية العمل بها في مؤسسات الدولة.
كما نجد توجهاً نحو استقطاب الكفاءات لدى بعض الدول العربية واستحداث أقسام خاصة بالاستثمار في مجال الابتكار لدى بعض البنوك في المنطقة العربية ما يعني أن هناك تنافساً كبيراً قد يحدث في هذا المجال تحقيقاً لغاية الوصول إلى مسميات كبرى في سياقات الاقتصاد المعرفي مثل بنوك الكفاءات وغيرها من تحولات ستكون بالتزامن مع تطور حقول الملكيات الفكرية وتشريعاتها.
وللحديث بقية.